فصل: الخبر عن إجازة سليمان بن داود الأندلس ومقامه إلى أن هلك بها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن مقتل ابن الخطيب:

ولما استولى السلطان أبو العباس على البلد الجديد دار ملكه فاتح ست وسبعين وسبعمائة واستقل بسلطانه والوزير محمد بن عثمان مستبد عليه وسليمان بن داود رديف له وقد كان الشرط وقع بينه وبين السلطان ابن الأحمر عندما بويع بطنجة على نكبة ابن الخطيب وإسلامه إليه لما نمي إليه عنه أنه كان يغري السلطان عبد العزيز لملك الأندلس فلما زحف السلطان أبو العباس من طنجة ولقي الوزير أبا بكر بن غازي بساحة البلد الجديد فهزمه السلطان ولاذ منه بالحصار آوى معه ابن الخطيب إلى البلد الجديد خوفا على نفسه فلما استوف السلطان على البلد الجديد أقام أياما ثم أغراه سليمان بن داود بالقبض عليه فقبضوا عليه وأودعوه السجن وطيروا بالخبر إلى السلطان ابن الأحمر وكان سليمان بن داود شديد العداوة لابن الخطيب لما كان سليمان قد تابع السلطان ابن الأحمر على مشيخة الغزاة بالأندلس حتى أعاده إليه إلى ملكه فلما استقر له سلطانه أجاز إليه سليمان سفيرا عن عمر بن عبد الله ومقتضيا عهده من السلطان فصده ابن الخطيب عن ذلك بأن تلك الرياسة إنما هي لأعياص الملك من آل عبد الحق لأنهم يعسوب زناتة فرجع سليمان آيسا وحقد ذلك لابن الخطيب ثم جاور الأندلس بمحل إمارته من جبل الفتح فكانت تقع بينه وبين ابن الخطيب مكاتبات ينفس كل منهما لصاحبه بما يحفظه لما كمن في صدورهما وحين بلغ الخبر بالقبض على ابن الخطيب إلى السلطان بعث كاتبه ووزيره بعد ابن الخطيب وهو أبو عبد الله بن زمرك فقدم على السلطان أبي العباس وأحضر ابن الخطيب بالشورى في مجلس الخاصة وأهل الشورى وعرض عليه بعض كلمات وقعت له في كتابه فعظم عليه النكرير فيها فوبخ ونكل وامتحن بالعذاب بمشهد ذلك الملاثم تل إلى محبسه واشتوروا في قتله بمقتضى تلك المقالات المسجلة عليه وأفتى بعض الفقهاء فيه ودس سليمان بن داود إليه لبعض الأوغاد من حاشيته بقتله فطرقوا السجن ليلا ومعهم زعانفة جاؤوا في لفيف الخدم مع سفراء السلطان ابن الأحمر وقتلوه خنقا في محبسه وأخرجوا شلوه من الغد فدفن في مقبرة باب المحروق ثم أصبح من الغد على شأفة قبره طريحا وقد جمعت له أعواد وأضرمت عليه نارا فاحترق شعره واسود بشره وأعيد إلى حفرته وكان في ذلك انتهاء محنته وعجب الناس من هذه السفاهة إلى جاء بها سليمان واعتدوها من هناته وعظم النكير فيها عليه وعلى قومه وأهل دولته والله الفعال لما يريد وكان عفى الله عنه أيام امتحانه بالسجن يتوقع مصيبة الموت فيتجيش هو أتقه بالشعر يبكي نفسه ومما قال في ذلك:
بعدنا وإن جاورتنا البيوت ** وجئنا بوعظ ونحن صموت

وأنفاسنا سكنت دفعة ** كجهر الصلات تلاه القنوت

وكنا عظاما فصرنا عظاما ** وكنا نقوت فها نحن قوت

وكنا شموس سماء العلا ** عزين فناحت عليها البيوت

فكم جزلت ذا الحسام الظبا ** وذو البحث كم جدلته التحوت

وكم سيق للقبر في خرقة ** فتى ملئت من كساه التخوت

فقل للعدا ذهب ابن الخطيب ** وفات ومن ذا الذي لا يفوت

فمن كان يفرح منكم له ** فقل يفرح اليوم من لا يموت

.الخبر عن إجازة سليمان بن داود الأندلس ومقامه إلى أن هلك بها:

كان سليمان بن داود هذا منذ عضته الخطوب واختلفت عليه النكبات يروم الفرار بنفسه إلى الأندلس للمقامة مع الغزاة المجاهدين من قومه ولما استقر السلطان ابن الأحمر بفاس عند خلعه ووفادته على السلطان أبي سالم سنة إحدى وستين وسبعمائة وداخله سليمان بن داود في تأميل الكون عنده فعاهده على ذلك وأن يقدمه على الغزاة المجاهدين من قومه ولما عاد إلى ملكه وفد عليه سليمان بن داود بغرناطة في سبيل السفارة عن عمر بن عبد الله سنة ست وستين وسبعمائة وأن يؤكد عقده من السلطان فحال دون ذلك ابن الخطيب ومارى السلطان عن ذلك بأن شياخة الغزاة مخصوصة بأعياص الملك من بنى عبد الحق لمكان عصابتهم بالأندلس فأخفق أمل سليمان حينئذ وحقدها على ابن الخطيب ورجع إلى مرسله ثم كانت نكيته أيام السلطان عبد العزيز فلم يخلص منها إلا بعد مهلكه أطلقه أبو بكر بن غازي المستبد بالأمر من بعده ليعتضد بمكانه على شأنه فلما استبد الحصار على ابن غازى خرج عنه سليمان ولحق بالسلطان أبي لعباس ابن المولى أبي سالم بمكانه من ظاهر البلد الجديد فكمان ذلك من أسباب الفتح ولما دخل السلطان إلى دار ملكه من البلد الجديد فاتح سنة ست وستين وسبعمائة واستوثق أمره رفع مجلس سليمان وأحله محل الشورى واعتضد به وزيره محمد بن عثمان واستخلصه كما ذكرناه وكان يرجع إلى رأيه وهو في خلال ذلك يحاول اللحاق يالأندلس فكان من أول عمله التقرب إلى السلطان ابن الأحمر باغراء الوزير محمد بن عثمان بقتل ابن الوزير مسنويه فتم ذلك لأول الدولة وجرت الأمور بعدها على الاعتمال في مرضاته إلى أن حاول السفارة إليه في أغراض سلطانه سنة ثمان وستين وسبعمائة في صحابة ونزمار بن عريف فتلقاهما السلطان ابن الأحمر بما يتلقى به أمثالهما وأغرب في تكرمتهما وأما ونزمار فأنقلب راجعا لأول تأدية الرسالة ينقض من السلطان حظه لقواد أسطوله بتسهيل الإجازة إليه متى رامها وخرج يتصيد فلحق بمرسى مالقة ودفع أمر السلطان بخطه إلى قائد الأسطول فأجازه إلى سبتة ولحق بمكانه وأما سليمان فاعتزم على المقام عند ابن الأحمر وأقام هنالك خالصة ونجيا ومشاورا إلى أن هلك سنة إحدى وثمانين وسبعمائة.